الاصدار 75, رقم 75, يوليو - 2020.

أثر شروط الوقف عند المالكية على شرعية الأوقاف المعاصرة


فإن الوقف عبادة عظيمة، يتعدى نفعها، ويعظم خيرها، وقد كان الوقف على تاريخ الإسلام الطويل سبباً لإطعام الأمعاء الخاوية، وري الأكباد الظامئة، فكم كُسِي به من عري، وأُطعم به من مسغبة، وعُلّم به من جهالة، وكم عولج به من مريض، وكفل به من يتيم، وعمرت به من مساجد، فكان سبباً لنشر العلم، وبث الخير بين الناس. ولقد ضربت الأمة عبر تاريخها أروع الأمثلة في جانب الوقف، فشيدت صروحه، وأبرزت معالمه، وامتد أثره زماناً ومكاناً، بل حتى تعدى نفعه البشر إلى غيرهم من العجماوات، ولما علم فقهاء الإسلام أهمية الوقف، بذلوا جهداً في تأصيل مسائله، والحديث عن تعريفه، ومشروعيته، وذكر شروطه، وتطبيقه على واقعهم الذي عاشوا فيه. وفي عصرنا هذا استجدت صور من الوقف لم تكن موجودة زمن أسلافنا، وقد يفوق نفع هذه الصور التي ظهرت في عصرنا هذا نفع كثير من الصور التي ذكرها فقهاؤنا المتقدمون للوقف، فاستجد في عصرنا هذا وقف الوقت، ووقف ما تبقى عينه بعد استيفاء منفعته، ووقف ما يكون معه تأبيد العين الموقوفة وغير ذلك من صور عديدة. ونعلم جميعاً أن العلماء السابقين وضعوا شروطاً لصحة الوقف، وجعلوا قيوداً له، تضبط عينه، وتجعله في مأمن من عاديات الدهر، مما يعود بالنفع على الأوقاف، لكن هذا لا يمنع من البحث في بعض صور الأوقاف العديدة، وعرضها على شروط الوقف، خاصة وأن بعض ما منع من وقفه فقهاؤنا السابقون لم يُقطع بدليله، أو أنه مبني على علة زالت، فلم يعد التمسك بها مجدياً، فالحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً، ومن خلال مقارنتي بين مذاهب الأئمة الأربعة تجاه شروط صحة الوقف، تبين لي انسجام قواعد مذهب الإمام مالك بن أنس – رحمه الله – مع كثير من الأوقاف المعاصرة، وأنه أقرب المذاهب تعايشاً مع كثير من صور الأوقاف الحديثة، ومن أجل ذلك عقدت العزم على البحث في هذا الموضوع، فاخترت أثر شروط الوقف عند المالكية على شرعية الأوقاف المعاصرة، حيث جمعت عدداً من الصور المعاصرة، فخرجتها على شروط الوقف عند المالكية، وقارنت بين مذهب المالكية وبقية المذاهب الثلاثة في ذلك، وكنت أهدف من هذا البحث إلى الأهداف التالية: الأول: معرفة الحكم الشرعي لنوازل الوقف ومسائله الحادثة. الثاني: توسيع دائرة الوقف بما يتوافق مع النصوص ومقاصد الشريعة. الثالث: الوقوف على ما فيه نص صحيح صريح من شروط الوقف، وما كان خلاف ذلك. الرابع: ذكر عدد من الصور المعاصرة للأوقاف، ومعرفة مشروعيتها، أو عدم ذلك.